[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]ربما لا يعلم البعض منا بان سورية في عهد استقلالها الاول بعد انهيار الدولة العثمانية كانت مملكة متوجة بملك لمدة تقارب السنتان قبل ان يبدأ عهد "الانتداب" الفرنسي ليطيح بالملك المتوج ويصبح الملك فيصل بعدها ملكاً للعراق لاكثر من 12 سنة.. دخل فيصل بن الشريف حسين دمشق في مطلع شهر تشرين الاول من العام 1918 حيث شكل حكومة عربية فيها واصبح حاكما لها وقد اقر ما عرف باسم المؤتمر السوري العام استقلال سورية في 8 اذار من عام 1920 وتتويج فيصل ملكا عليها.
ولم يمتد هذا العهد طويلا حيث دخل الجيش الفرنسي الى دمشق في 24 تموز من العام 1920 بعد معركة ميسلون الشهيرة ليبدأ عهد "الانتداب" الفرنسي وينتهي عهد الملكية القصير.
وبعد هذا التاريخ بمدة عام تقريبا وفي 23 آب من العام 1921 توج فيصل ملكا على العراق.
والمادة التي ننشرها اليوم هي لقاء صحفي قصير اجراه صحفي سوري صاحب جريدة الفيحاء قاسم الهيماني مع الملك فيصل بعد 5 سنوات من تنحيته عن عرش الحكم في سوريا.
ومن الملاحظ بان الصحفي خلال لقائه فيصل لم يتطرق الى اي ذكريات او حيثيات تتعلق بحكمه لسوريا ، بل ركز اللقاء على فيصل ملك العراق والشؤون السياسية والاقتصادية التي كانت تخص العراق في تلك المرحلة..
حديث جلالة ملك العراق
الفيحاء – 10 تموز - 1925
سافر صاحب هذه الجريدة إلى القطر العراقي منذ أسبوعين فكان أول ما فعله المثول بين يدي صاحب الجلالة فيصل الأول ملك العراق والتحدث إليه في بعض الشؤون الهامة التي تشغل أفكار الناس في العراق وخارجه والى القراء ما أرسله إلينا من ذلك الحديث الخطير ..
رأيت بعد وصولي إلى بغداد أن من واجباتي السعي للخطوة بالمثول بين يدي جلالة الملك , فقصدت دار الملك العامرة وهي قصر فخم قائم على ضفة دجلة في بقعة فسيحة واقعة خارج المدينة تسمى الكاظم وتحيط به الأشجار الغضة كالنخيل والليمون والبرتقال .
نظرت إلى ذلك القصر عند وصولي إليه فرأيت المهابة تظلله وقد سمعت دقات قلبي عند ما وقعت عيني لأول مرة على الراية المربعة الألوان التي كانت تخفق فوق قصر المليك العظيم.
وقد قابلني جلالة الملك في قاعة المقابلات العامة واظهر من الحفاوة واللطف ما هو مأثور عنه وبعد أن سألني عن سورية وأحوالها وعما لقيت في سفري استأذنت جلالته في إلقاء بعض أسئلة تتعلق بمجرى الأحوال السياسية التي يهم الناس الاطلاع على رأي جلالته فيها فسمح حفظه الله لي بذلك والى القراء الكرام ما أوردته من أسئلة وما أجاب به جلالته :
س : أن أمد المعاهدة العراقية البريطانية قصير حيث مضى من مدتها نحو سنتين فهل ترون يا صاحب الجلالة أن حكومة العراق ستمدد المعاهدة على شكلها الحاضر أم إنها ستخفف ؟
ج: نعم هو قصير جاد وسنبدأ في مذكرات مع بريطانيا العظمى تدور حول المعاهدة المشار إليها يحفظ لنا استقلالنا التام على أساس دخلونا في جمعية الأمم إذ أن بريطانيا لا تريد أن تصرف في العراق الأموال الطائلة وستربطنا المعاهدة معها بكل صميمية حلف ودي .
س: هل تعتقدون أن المعاهدة قد طبقت كلها بحذافيرها وما قول جلالتكم في الإشاعات التي تقول أن الذي طبق منها هو ما يخص منفعة الانكليز فقط ؟!!!
ج: المعاهدة طبقت لنا وعلينا والمذاكرة جارية في التعديل الذي طلبه المجلس التأسيسي.
س: ما هي التدابير التي أخذتها حكومة العراق تجاه مطامع الأتراك في الموصل وهل يرى صاحب الجلالة أن اجتماع عصبة الأمم المقبل سينظر في هذه القضية نهائيا أم لا ؟
ج: حكومة العراق والأتراك وبريطانيا خولت جمعية الأمم الحكم واعتقد أن الجميع سيرضخون لذلك الحكم الأخير الذي تنطق به هذه الجمعية .
س: هل انتم يا صاحب الجلالة واثقون من أن بريطانيا لم تفاوض تركيا بشان الموصل مفاوضة تمس في الوحدة العراقية كما أشارت إليه بعض الصحف ؟
ج: لا شك ولا ريب أن بريطانيا لم تبحث ولن تبحث مع تركيا بشأن الموصل حيث أن ذلك خول إلى جمعية الأمم .
س: ما هي الوسائل التي فكرت فيها الحكومة العراقية في تخفيف الأزمة الاقتصادية الحاضرة في البلاد ؟
ج: لا شغل اليوم للحكومة ومجلس الأمة والشعب العراقي في الدرجة الأولى إلا التفكير في إنهاض البلاد اقتصاديا ولنا وطيد الأمل أن الأزمة التي نشعر بها ستنفرج بأسرع ما يمكن .
س: هل اعترفت حكومة إيران بحكومة العراق وما هو السبب بعدم اعترافها حتى اليوم
ج: المذاكرة جارية مع حكومة إيران والى الآن لم تتم ولنا عظيم الأمل في اعترافها بالقريب العاجل وعلاقاتنا مع إيران بالوقت الحاضر حسنة جدا .
س: أصحيح أن هناك عهود تختص بإنشاء حكومة أشورية في العمدية ؟؟
ج: ليس لي علم بوجود عهود ولا فكرة في إنشاء حكومة أشورية.
س : سمعت أنكم ستسافرون إلى أوربا قريبا فهل لسياحتكم هذه من علاقة سياسية ؟
ج: نعم سأسافر قريبا ولكن لأسباب صحية فقط .
وهنا رأيت أن اختم حديثي فودعني جلالة الملك بما عهد به من اللطف والكرم والأخلاق وخرجت من لدنه شاكرا ما لقيت من المجاملة والأنس.
وقد لحظنا أن العراقيين متمسكون بجلالته تمسكا عظيما مستعدون على ما رأيت لإراقة دمائهم وبذل أموالهم في سبيل إرضائه وتأييد عرشه ثقة منهم أن عزهم لا يكون إلا بعزه وحياتهم واستقلالهم لا يدومان إلا في إنجاح القضية العربية وإسعاد البلاد واستقلالها ورفعها إلى أعلى درجات الحضارة والمدينة .
وإذا كان بعض الناس ممن عمى الله أبصارهم وبصائرهم ينكرون الجميل وينسون ما قام به جلالته من جلائل الأعمال في السنين الغابرة, فان الأمة العربية بأسرها لا تستطيع أن تنكر ذلك والتاريخ لا ينسى أعمال من تباهي أعمالهم أعمال اكبر أبطال العالم والله لا يبخس الناس أشيائهم .
والعراقيون يذكرون نهضة جلالته ووقوفه في وجه الأتراك بعد أن قضوا على كبار زعماء الأمة العربية شنقا وتعذيبا ويذكرون السنوات الأربع التي قضاها صاحب الجلالة في الصحاري بين حرارة الشمس وزمهرير الشتاء ,وهجماته العديدة في مقدمة الجيش يشهد العراقيون بها والشجاعة التي أظهرها في مواقفه الحربية قد دونها التاريخ وشهدت بها الأمم .