ويرى أن قطع الاتصالات مع بشار الأسد سياسة خاطئة
18 يونيو 2007 - 03:53 مساء
الحلقة السابعة من كتاب " فلسطين: السلام وليس الفصل العنصري".
المؤلف: جيمي كارتر الرئيس الأمريكي الأسبق.
يستكمل كارتر في هذه الحلقة رسم لوحة الشرق الأوسط التي يمكن أن تتهيأ لصنع السلام فيه. وبعد أن قدم بتاريخ وصفات اللاعبين الأساسيين – الفلسطينيين والإسرائيليين – بدأ يتناول تقييما تفصيليا لجيران اللاعبين. وبدأ هنا بسوريا بحديث مفصل عن الرئيس الراحل حافظ الأسد. ونطالع هنا – ربما للمرة الأولى – وصفا دقيقا وتفصيليا لفكر الرئيس الأسد. ويقدمه كارتر على أنه زعيم زكي ومدافع مخلص عن حقوق العرب والفلسطينيين. ويسرد حججه وأقواله بالتفصيل ، والتي يرى كارتر في كثير منها وجاهة وقوة. ويتكلم أيضا عن قسوته مع خصومه وعن استعداده للذهاب لأقصى مدى في سبيل ما يعتقده. إنها شهادة مهمة لفهم مفاتيح السياسة السورية.
عرض :
باستثناء الاتصالات المصرية القائمة بين إسرائيل والفلسطينيين .. فإن الدول العربية ليس لها أي دور إيجابى بناء في التمهيد للسلام ، لكن علينا أن نتذكر أن نفوذهم التراكمى سيكون حيوياً وضرورياً في المساعدة على إتمام إتفاق مقبول .. وطمأنة الإسرائيليين المتشككين في أن مثل هذا السلام سيكون دائما ويمكن الإعتماد عليه ، لهذا .. فإنه سيكون من المفيد أن نلخص ونزن الأدوار التاريخية للقادة في كل من سوريا والأردن ومصر ولبنان والمملكة العربية السعودية .. بخصوص المساهمات التي قد يقدمونها في المستقبل من أجل الوصول إلى حل محتمل، لقد زرت كل هذه الدول وإجتمعت مع قادتها مرات عديدة على قدر استطاعتي.. ورتبت لعقد إجتماعات إضافية معهم في الولايات المتحدة وغيرها من الدول .
1- سوريا
لقد خرجت إسرائيل من المناطق التي تحكمت فيها كل من مصر ولبنان .. ولكنها لا تزال تحتل مناطق من سوريا تسمى مرتفعات الجولان ، ولعله من المثير أن نلاحظ أننا عند إجراء بحث عن " مرتفعات الجولان" في محرك البحث جوجل على الإنترنت.. فإن واحدة من أول الردود التي سنحصل عليها .. هو دعوة السائحين لزيارة المستوطنين الإسرائيليين الذين يعيشون هناك ، قمت بزيارة هذه الهضبة المرتفعة – لأول مرة – في عام 1973 .. وعدت إلى هذه المنطقة عدة مرات خلال زيارتى لإسرائيل والأردن وسوريا ، تمكنت إسرائيل من الإستيلاء على هذه المرتفعات من سوريا خلال حرب الأيام الستة في عام 1967 ، وفى عام 1981 شرعت قانوناً تسمح فيه إسرائيل لنفسها – ضمنيا – بمد سلطتها الدائمة على هذه المنطقة ، وقد تسبب هذا في حساسية لا نهاية لها من جانب دمشق وجعل القادة السوريين في مقدمة العرب يرفضون أية تسوية سلمية مع إسرائيل على أية قضية أخرى.
قمت بدعوة القائد السورى لزيارتي في واشنطون ، لكنه رفض .. وبالرغم من هذا الرفض الحاسم المؤدب .. فقد درست كل ما أستطيع تعلمه عنه وعن سوريا ... قبل أن أقابله.
عندما توليت الرئاسة .. كان أحد أهدافى الرئيسية هو إقناع الرئيس السورى "حافظ الأسد" .. بتغيير سياسته السلبية والتعاون معى في جهود شاملة من أجل السلام ، ولم يكن هناك الكثير الذى نعرفه عن حياته الشخصية او العائلية ، لكن وزير الخارجية السابق "هنرى كيسنجر" .. وآخرين ممن عرفوا "الأسد" ... وصفوه بأنه شديد الذكاء وبليغ وصريح حتى خلال مناقشته لأشد القضايا حساسية ، فقمت بدعوة القائد السورى لزيارتي في واشنطون ، لكنه رفض .. معبراً عن رفضه التام لزيارة الولايات المتحدة في أى وقت ، بالرغم من هذا الرفض الحاسم المؤدب .. فقد درست كل ما أستطيع تعلمه عنه وعن سوريا ... قبل أن أقابله.
إن فشل الدول العربية في تدمير دولة إسرائيل الوليدة في عام 1949..فتح المجال لموجة من النقد الذاتي بين العرب .. وداخل كل دولة على حدة ، وفى عام 1958 – خلال بحثهم عن طريقة جديدة – قامت وحدة بين سوريا ومصر تحت إسم ما عرف بالجمهورية العربية المتحدة ، وبعدها بثلاث سنوات ونصف السنة أصبح من الواضح أن مصر بقيادة "جمال عبدالناصر" .. هى المسيطرة على الاتحاد الجديد ، وهو ما أجبر القادة السوريين غير الراضين عن هذا الوضع إلى فك الوحدة ، "حافظ الأسد" – وزير الدفاع في ذلك الوقت – وغيره من القادة العسكريين السوريين .. لاموا القيادة السياسية على الهزيمة النكراء التي تعرضوا لها عام 1967 ، وكنتيجة لهذا رفض "الأسد" طاعة أوامر رئيس الجمهورية عام 1970 .. بمساعدة المقاتلين الفلسطينيين الذين يحاربون في الأردن ضد الملك "حسين" ، وعندما تم الحكم عليه بسبب هذه الفعلة .. استولى على السلطة من خلال إنقلاب غير دموى.
كان "الأسد" مشهوراً بالقسوة في معاملته لأى شخص يقاوم سلطانه ، وكان شديد الحماس في حمايته للمنطقة من التدخل الخارجى ، كما أنه كان يعمل على توسيع دور سوريا كقوة مؤثرة في الشرق الأوسط ، لقد كان مستعداً للدخول في مواجهات سياسية وعسكرية خطيرة .. إذا ما تطلب الثبات على مبادئه..
كان أول لقاء بيننا في سويسرا في يونيو من عام 1977 .. ووجدت "الأسد" كما وصفوه لي ، فلقد كان أكثر القادة بلاغة في وصف دقائق المعتقدات العربية بخصوص إسرائيل وإمكانية حدوث السلام، في البداية .. بدا وكأنه متغطرس نوعاً ما .. ولكنه كان مهتما بجهودي في تنظيم مفاوضات للسلام ، لقد كان مصرا على أن محادثات السلام يجب أن تتوافق مع قراري الأمم المتحدة رقم 242 ورقم 338 ، وأنها يجب أن تضم السوفيت ، واعترض بشدة على المناقشات الثنائية بين إسرائيل وأى دولة عربية .. وإستبعاد الإتحاد السوفيتى ، لقد كانت سوريا تعتمد بشدة على المساعدات السوفيتية .. لكن "الأسد" في الحقيقة لم يرد أن يكون دمية تحركها الخيوط ، وكنت آمل في أنه ربما أظهر إستقلاله .. بالعمل معى للتغلب على بعض العقبات التي واجهناها ، في ذلك الوقت .. كانت خططي الخاصة بمحادثات السلام مبنية على اساس قرارات الأمم المتحدى التي أكد هو أيضا عليها.
كان "الأسد" مقتنعاً بأن الإسرائيليين لا يريدون السلام .. .. وإنهم سيحاولون - دائما- أن يحبطوا المفاوضات ويفشلوها .. بينما يتوسعون جغرافيا
من أجل فهم أفضل للمواقف التي مازالت سائدة في العالم العربى – بما فيهم وجهات النظر الأكثر إعتدالاً في كل من مصر والأردن ولبنان – فإنه من المفيد أن نلخص الآراء الحماسية للرئيس "حافظ الأسد" .. والتى نادراً ما سُمعت في الجزء الغربى من العالم ، حتى أنني قمت أنا و"روزالين" والمترجمون الرسميون..بالاحتفاظ ببعض الملاحظات الدقيقة لما دار بيننا من نقاش.
إن الأسد قد أكد لى .. أنه تم السماح لإسرائيل بدخول الأمم المتحدة في عام 1949 من خلال الفقرة الشرطية الواضحة التي تنص على أن اللاجئين الفلسطينيين سوف يسمح لهم بالعودة إلى ديارهم . أو تعويضهم بالكامل عن كل ما فقدوه من ممتلكات ، وقبيل عام 1967 – طبقا لما قاله – فإن إسرائيل كانت تجبر أعداداً إضافية من سكانها العرب على مغادرة الأجزاء الصغيرة المتبقية من أراضيهم ؟.. في مخالفة صريحة لإتفاقيات الأمم المتحدة التي أقسم الإسرائيليون على احترامها ، كذلك فإنه ادعى أن إسرائيل بدأت حرب عام 1967 لكي تستولى على المزيد من الأراضى العربية.
وإستشهد بكلمة أحد قادة إسرائيل الكبار .. الذى أعلن أنها ليست إلا خطوة وسيطة تجاه الوصول إلى "إسرائيل العظمى" ، وأن كل أفعالهم منذ ذلك الوقت - طبقا لأقوال "حافظ الأسد" - أظهرت أطماعهم التوسعية ، لقد كان "الأسد" مقتنعاً بأن الإسرائيليين لا يريدون السلام .. .. وإنهم سيحاولون - دائما- أن يحبطوا المفاوضات ويفشلوها .. بينما يتوسعون جغرافيا ، ثم أكد "الأسد" .. أنه من حيث المبدأ – لا يحق لأى قائد عربي أن يوافق على أى توسعات في حدود إسرائيل القانونية .. مهما كانت شدة رغبته في السلام.
لقد حاولت أن أقنع "الأسد" بأن الإسرائيليين مستعدون للسلام .. إذا كان القادة العرب موافقين على التفاوض معهم مباشرة ونوايا خالصة ، ووصفت له إلتزام إسرائيل الكامل بأمن دولتهم الصغيرة .. وحاجتهم لأن يكونوا مقبولين ككيان دائم في منطقة الشرق الأوسط ، لكن "الأسد" أشار إلى أن الضفة الغربية تشكل 22% فقط من المساحة التي كانت موضوعة تحت الإنتداب الإنجليزى (حوالى ربع ما استولى عليه الإسرائيليون).. وأدانهم بسبب توسعهم في مرتفعات الجولان السورية .. قائلاً : -إنه من غير المقبول أن تصر على تأمين حدودك من خلال الإستيلاء على أراضي الآخرين ، لماذا يجب أن تكون حدودهم الآمنة قريبا من دمشق وبعيداً عن تل أبيب؟".
ثم أضاف .. وكأنه يفكر بصوت مرتفع : "إننا دائما ما نتحدث عن الدين .. لو أنهم أخذوا القدس منا .. فإننا - كمسلمين – سنكون بلا أرواح ،إن ما لا أستطيع فهمه .. هو أن يُطلب منا التفاوض (بشدة) للعودة إلى حدود 1967 .. وأن نقوم بإستبعاد القدس فقط".
عند هذا سألته :
- "هل الأمور تسبح أكثر سهولة .. لو أننا إستبعدنا أشياء أخرى؟".
فضحك "الأسد" هو وكل المستشارين الجالسين حول طاولة المفاوضات وقال :
- "إذا أصر الإسرائيليون على التمسك بالقدس الشرقية فإن هذه يظهر عدم رغبتهم في السلام .. لأننا مرتبطون بها تماما مثلهم".
عندها أجبته بأن المسيحيين – وأنا من بينهم – متعلقون بهذه المدينة أيضاً .. وأننا نأمل أن يسمح لكل المؤمنين بدخولها وزيارة الأماكن المقدسة وحرية العبادة .. دون قيد أو شرط.
قبل أن ننهي هذا الإجتماع .. وعدنى "الأسد" بأنه سوف يدلى ببعض التصريحات الإيجابية عن جهود السلام المبذولة ، ثم أضاف أنه منذ عام أو عامين .. كان مجرد الكلام عن السلام مع إسرائيل – داخل سوريا – يعتبر إنتحارا سياسياً.
وقد سألته عن موقف سوريا من لبنان .. وكيف أنها لا تعترف بها كدولة مستقلة ذات سيادة ، ولماذا يعتبرونها جزءا من سوريا ، أنكر "الأسد" أى نوايا سيئة تجاه جارته الغربية (لبنان) .. مصراً على أنه – وشعب سوريا – يعترفون بإستقلال لبنان دون أى تحفظ ، ووعد بسحب قواته من هناك .. عندما تطلب جامعة الدول العربية والحكومة اللبنانية منه هذا ، لقد كان من الواضح أنه لم يتوقع أبداً أن يسمع منا طلبا كهذا .
لقد اشتكى "الأسد" من أن الإسرائيليين يعتبرون أنه من حق كل يهودي في العالم – سواء كان في حاجة إلى هذا أم لا – أن يستوطن الأراضى العربية التي استولوا عليها بالقوة .. بينما يرفضون السماح للمشردين واللاجئين العرب الذين تم إخراجهم عنوة من بلدانهم بالعودة إلى الأراضى التي مازالوا يحملون الأوراق التي تثبت ملكيتهم القانونية لها ، لقد كانت وجهة نظره أن إسرائيل إدعت أن لها الحق في إنشاء دولة خاصة بها في فلسطين عام 1948 .. لأنها كانت تقوم بإعادة إنشاء دولتهم بعد تدميرها في العصور القديمة ، ورفضت الإعتراف بدولة فلسطينية في نفس المنطقة التي عاشت فيها .. أجيال متتابعة من الفلسطينيين – المسيحيين والمسلمين – بصفة مستمرة لآلاف السنين.
ثم أضاف ..أنه لا توجد دولة على سطح الأرض – بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية 0 تعترف بادعاءات إسرائيل الحالية ...بأحقيتها في الأراضى التي ضمتها بالقوة من عام 1949.
كان الأسد يرى أن القتلى من العرب شىء ضئيل القيمة وغير معنوي في نظر الإسرائيلين وحلفائهم الأمريكان
ثم قال القائد السورى .. إن الإسرائيليين يؤكدون أن يهود العالم " يمثلون شعباً واحداً .. بصرف النظر عن الإختلافات الواضحة الموجودة بينهم في العرق واللغة والعادات والمواطنة ومع كل هذا . فإنهم ينكرون أن الفلسطينيين يشكلون أمة واحدة ... بالرغم من توحدهم في العرق واللغة والحضارة والتاريخ ، إن الكثيرين من العرب يعتبرون هذا التمييز نوعاً ما من التفرقة العنصرية ضد العرب الفلسطينيين على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية .. ولا يستحقون أن تتم معاملتهم كبشر ، فهم يدعون أنهم ليسوا إرهابيين .. إذا قاوموا الإنتهاكات والتعديات الإسرائيلية عليهم ، وسخر من إدعاءات إسرائيل بأنها الديمقراطية الوحيدة الحقيقة في المنطقة ، وقال إن المساواة السياسية والإجتماعية مقصورة على اليهود فقط.
وبخصوص السعى نحو السلام ، أعرب "الأسد" أن الإسرائيليين يلتمسون الأعذار التي تسمح لهم بالمزيد من التوسع وإحتلال أراضى جديدة وبناء معسكرات دائمة تتحول إلى مستوطنات مدنية ، لقد كان من الواضح أنه يتكلم عن مرتفعات الجولان .. وكيف أنهم خلقوا ظروفاً مناسبة تتطلب منهم أن يدافعوا عن المستوطنات الجديدة بالمزيد من التوسع وتقوية قواتهم المسلحة ودفع السكان العرب للنزوح عنها .
ثم ادعى أن القتلى من العرب شىء ضئيل القيمة وغير معنوي في نظر الإسرائيلين وحلفائهم الأمريكان .. والذين ربطوا بين الفلسطينيين والإرهاب في محاولة لتبرير هذا السلوك العنصري. إن تفسير هذه السياسة المشتركة – من وجهة نظر الأسد - هو أن أمريكا وإسرائيل تطمحان في السيطرة على الشرق الأوسط والتحكم فيه على حساب سكانه الأصليين ..الذين يرغبون في الحرية والحق في الحياة بسلام داخل ديارهم ، ثم شرح "الأسد" وجهة نظره بأن الإسرائيليين والأمريكان – عندما يرفضون التفاوض على السلام مع الفلسطينيين مباشرة – فإنهم يحكمون على المفاوضات بالفشل ... إلا عندما ينفردون بمجموعة عربية واحدة (دولة واحدة) يستطيعون أن يجبروها – من خلال التهديدات أو الإغراءات الإقتصادية – على أن تتعاون بطريقة منفردة مع إسرائيل وامريكا.
لقد قال "الأسد" إن سوريا قد أثبتت إستعدادا للسعى نحو السلام .. بخطوات لم تحاول إسرائيل – أو أمريكا – ان تتخذها :
• فسوريا احترمت كل قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالصراع العربى الإسرائيلي.
• وأيدت القرار الدولى الذى أجمع على أن الشعب الفلسطينى – كبقية شعوب العالم – له حق تقرير المصير.
• واحترمت القوانين الدولية التي تمنع إحتلال وضم أراضي الآخرين.
• دافعت عن حدودها واحترمت الحدود الدولية المعترف بها للآخرين.
• عرضت سحب القوات السورية من لبنان عندما يطلب منها هذا من قِبل الحكومة اللبنانية.
وبالرغم من أن "الأسد" لم يظهر أية بوادر تدل أنه مستعد للتحول عن أهدافه البعيدة الأمد .. إلا أننى خرجت من هذه المقابلة الأولى وأنا مقتنع بأنه قد يكون مستقلاً ومرناً بالدرجة الكافية التي تمكنه من تعديل تكتيكاته السياسية حتى تتلاءم مع تغيرات الزمن والظروف ، وبالرغم من مرارته الشديدة تجاه إسرائيل .. إلا أنه احتفظ بقدرته على السخرية من مواقفها المتعارضة..مستمداً الصبر من إيمانه بأن التاريخ سوف يعيد نفسه – كما حدث للحملات الصليبية – وأن النصر النهائى سيكون للعرب.
وخلال رحلاتى لسوريا أمضيت ساعات عديدة في مناقشات مع "الأسد" وأصغيت لتحليلاته للأحداث الجارية في الشرق الأوسط ، لقد كان شديد الغضب عنما عرف أول مرة بخطة "السادات" لزيارة القدس ... ولم يسامحه أبداً على ما اعتبرة خيانة للقضية العربية ، لقد رأى "السادات" على أنه الشخص الذى تمكنت إسرائيل من إغرائه بإتخاذ خطوة أحادية الجانب تعيد لمصر أرضها على حساب العرب الآخرين ، لقد فعلت سوريا كل ما هو ممكن لتمنع المحادثات المباشرة بين إسرائيل ومصر .. أو غيرها من الدول العربية ، وفيما بعد .. قامت بجهود لعزل ومقاطعة مصر ، وحتى بعد موت "السادات" فإن سوريا لم تسامحه ، فلقد إمتلأت شوارع دمشق بالجماهير التي إحتفلت بسعادة عندما أعلن عن خبر اغتياله.
لقد كان "الأسد" يلوم "السادات" ومعاهدة السلام مع إسرائيل .. على الهجمات الإسرائيلية التي حدثت على لبنان ،ورأى أن الإسرائيليين ما كانوا ليخاطروا بتركيز انتقامهم على منظمة التحرير الفلسطينية .. لو أن مصر كانت ما تزال حرة في الإنضمام لأشقائها العرب في مقاومة إسرائيل ، وحدث بيننا جدال ساخن .. كنت أذكره فيه .. بأن مصر قد استعادت أرضها وأن شعبها أصبح يعيش في سلام ، وإستشهدت بفقرات من إتفاق كامب ديفيد لأثبت أن خطة العمل تنص على إنسحاب إسرائيل من أراضِِ محتلة .. وحق الفلسطينيين في تقرير المصير .. وحل سلمي للخلافات الموجودة بين إسرائيل وجيرانها العرب.
بعد أحد هذه الإجتماعات الطويلة .. وقف "الأسد" - في مكتبة - بجوار لوحة ضخمة مرسومة لوصف "معركة حطين" التي وقعت في عام 1187 ، في تلك الموقعة التاريخية .. تمكن القائد "صلاح الدين" من هزيمة الغزاة الصليبيين .. وسقطت مملكة القدس الصليبية .. لقد تمكن العرب من الإنتصار على الغرب ، بينما كان "الأسد" يتكلم على الأراضي المقدسة .. بدا لي وكأنه "صلاح الدين" الحديث ، وكأنه أصبح من واجبه أن يخلص المنطقة من الوجود الأجنبي .. بينما يحافظ على دمشق كالمحور الذى تدور من حوله وحدة العرب.
خططت لزيارة الرئيس السورى الشاب بشار الأسد ولكن مستشار الأمن القومي لحكومتنا رفض الموافقة
عندما تقابلت مع "حافظ الأسد" لآخر مرة عام 1999 – خلال جنازة الملك "حسين" – كانت له بعض النجاحات ... فلقد خرجت القوات الإسرائيلية بصورة شبه كاملة من لبنان .. لكن الأردن وإسرائيل قامتا بتوقيع معاهدة سلام قبل هذا التاريخ بخمس سنوات ، ولم يكتب له أن يرى ابنه الرئيس "بشار الأسد" وهو يسحب كل القوات السورية من لبنان في عام 2005 .
قمت بزيارة الشرق الأوسط في أوائل عام 2005 .. وخططت لزيارة الرئيس السورى الشاب في دمشق ، كالعادة قمت بإخطار "البيت الأبيض" مقدماً بنيتى .. وعلى الفور تسلمت مكالمة من مستشار الأمن القومى والذى أخبرنى بأنهم لا يوافقون على هذا الجزء من الرحلة .. بسبب الخلافات مع سوريا بخصوص سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في العراق ، فلقد تم إتخاذ قرار بسحب السفير الأمريكي من سوريا وفرض العزلة على الرئيس "الأسد" عن طريق منع زيارات كبار الزوار الأمريكان عنه ، حاولت شرح موقفى .. وكيف أننى أعرف "بشار" منذ أن كان طالباً جامعياً .. وأننى سأكون سعيدا باستخدام نفوذى لحل المشاكل القائمة .. كما فعلت من قبل مع والده ، في نقاش ساخن نوعاً ما .. عبرت عن وجهة نظري في أن قطع الاتصالات مع القادة الذين نختلف هو أمر غير مثمر .. وخضعت – بتردد – لتوجيهاته ، وفيما بعد لاحظت أن الرئيس "بشار الأسد" لم يذهب لحضور اجتماع قمة الجميعة العامة للأمم المتحدة الذى عقد في نيويورك .
بالرغم من كل الجهود التي بذلت لإحراج وإضعاف بشار الاسد .. فإنه تمكن من الإحتفاظ بقوة لمدة 7 سنوات في واحدة من أكثر الوظائف السياسية صعوبة في المنطقة، ومن المرجح أنه قد دُفع للدخول في تحالفات مع القوات المناوئة لأمريكا في العراق وإيران ولبنان ، عندما تبدأ من جديد جهود دولية لوقف الصراع الحالى بين إسرائيل ولبنان ... فإن سوريا قد يصبح لها – مرة أخرى – دور رئيسي في هذه جهود السلام .
الصور المرفقة