منتدى غرناطة ( غانم العلي )
أهلاً وسهلاً بك زائرنا الكريم
.... أنت لم تسجل بعد....
..... قم بالتسجيل .....
.... وشارك معنا .....
منتدى غرناطة ( غانم العلي )
أهلاً وسهلاً بك زائرنا الكريم
.... أنت لم تسجل بعد....
..... قم بالتسجيل .....
.... وشارك معنا .....
منتدى غرناطة ( غانم العلي )
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى غرناطة ( غانم العلي )


 
الرئيسيةأبو ريانأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 السيرة- سيرة الأئمة الأربعة- الدرس 1-2: الإمام الشافعي1 لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1996-07-21

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
فايز العلي


السيرة- سيرة الأئمة الأربعة- الدرس 1-2: الإمام الشافعي1 لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1996-07-21   Starwars6
فايز العلي


ذكر عدد المساهمات : 540
تاريخ التسجيل : 05/07/2010
العمر : 39
الموقع : السعودية

السيرة- سيرة الأئمة الأربعة- الدرس 1-2: الإمام الشافعي1 لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1996-07-21   Empty
مُساهمةموضوع: السيرة- سيرة الأئمة الأربعة- الدرس 1-2: الإمام الشافعي1 لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1996-07-21    السيرة- سيرة الأئمة الأربعة- الدرس 1-2: الإمام الشافعي1 لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1996-07-21   Emptyالسبت مايو 21, 2011 5:01 pm



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين, أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من مناقب الإمام الشافعي :
1- شدة تأثر الناس به :
أيها الأخوة الكرام، بدأنا في الدرس الماضي الحديثَ عن مناقب الإمام أبي حنيفة النعمان رحمه الله تعالى، وقد استخلصنا من مناقب هذا الإمام الكبير أحد أكبر أعلام الفقه: أن العلم والعمل صنوان لا يفترقان، وننتقل اليوم إلى الإمام الشافعي، ومحور الدرس مناقبه لا حياته، فحياته لها شأن آخر، أما مناقبه؛ ما قيل في خصاله، وفي علمه، وفي أدبه، وفي ورعه, لعل هذا الإمام الكبير يكون قدوةً لنا أيضاً .
قال أحدهم:
((كنا إذا أردنا أن نبكي قلنا بعضنا لبعض: قوموا بنا إلى هذا الفتى المطلبي يقرأ القرآن))
المراد إذا أردنا أن نبكي بكاء الرحمة .
الإنسان أحياناً يشعر بحاجة لا إلى علم يملأ ذهنه، أحياناً يشعر بحاجة إلى حال يغذي قلبه، العلم يملأ العقل، والذكر يملأ القلب، فالعقل غذاؤه العلم، والقلب غذاؤه الذكر، والإنسان إذا ظن أن الدين حقائق، ووجهات نظر، وأدلة، وبراهين، وغاب عنه أن الدين حب, وأن الدين اتصال بالله، وإقبال عليه، وغابت عنه هذه الحقيقة, فقد غاب عنه شطر الدين .
قالوا: إذا أردنا أن نبكي، إذا أردنا أن نتصل بالله، والبكاء من خلال الاتصال بالله, يعدُّ علامةً أكيدةً على صدق الاتصال، البكاء ليس إرادياً، أن يبكي الإنسان خاشعاً، أن يبكي إذا قرأ القرآن الكريم، أن يبكي إذا ناجى ربه، إذا توسل إليه، أن يبكي إذا استغفره، وإذا تفكر في خلقه، فهذه علامة طيبة، وأصحاب النبي كانوا بكَّائين، والعين التي لا ينهمر منها دمع من خشية الله, عين فيها مشكلة، وقلب صاحبها قاسٍ كالحجارة أو أشدّ .
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
((عَيْنَانِ لا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ, وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ))
[ أخرجه الترمذي في سننه]
فمن لوازم الإيمان الصادق: البكاء، ومن لوازم الاتصال بالله الحقيقي: البكاء، وقد قال بعض أصحاب النبي: بكينا حتى جفت مآقينا .
فكان هؤلاء يقولون: إذا أردنا أن نبكي قال بعضنا لبعض:
((قوموا بنا إلى هذا الفتى المطَّلبي، يقرأ علينا القرآن، فإذا أتيناه، واستفتح بالقرآن, تساقط الناس بين يديه من شدة بكائهم))
لكن هناك نقطة دقيقة جداً: الإنسان إذا قرأ القرآن, وكان صافياً، إذا قرأ القرآن, وكان منيباً، إذا قرأ القرآن, وكان متصلاً إذا قرأ القرآن، وكان مستقيماً, عندئذٍ تكون لقراءته حلاوةٌ تحرك القلوب، خشوعك حينما تسمع القرآن، لا من نغم القارئ، ولكن من خشوع قلب القارئ، خشوع قلب القارئ ينتقل إلى قلبك الذي يستمع، فلذلك حينما يقرأ القرآن حرفةً, وحينما يقرأ القرآن تجارةً، بأجر حينئذٍ, يفقد القرآنُ روحانيته .
فكان هؤلاء يقولون: إذا أردنا أن نبكي قال بعضنا لبعض:
((قوموا بنا إلى هذا الفتى المطَّلبي، يقرأ علينا القرآن، فإذا أتيناه، واستفتح بالقرآن, تساقط الناس بين يديه، ويكثر عجيجهم بالبكاء من حسن صوته، فإذا رأى ذلك, أمسك عن القراءة))
أنت أمَا سبق لك أن سمعتَ القرآن من قارئ خاشع، ودمعت عيناك؟ أمَا قرأت القرآن، وخشع قلبك، فهذا من علائم الإيمان، قال تعالى:
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾
[ سورة الأنفال الآية: 2]
أخواننا الكرام، اسمحوا لي أن أقول هذه الكلمة، وأرجو ألاّ تكون قاسية: إذا وقفت للصلاة، ولم تشعر بشيء، أو قرأت القرآن، ولم تشعر بشيء، أو جلست تذكر الله، ولم تشعر بشيء, فاعلم أن هناك حجاباً بينك وبين الله، وأن هذا الحجاب بسبب مشكلة، مخالفة، معصية ، سوء ظن، شرك، إلى آخره، فالإنسان يتعاهد قلبه، لا يبقى هكذا؛ معلومات, حضور مجالس العلم، فكرة، حجة، هذا شيء جيد جداً، وشطر الدين ذكرُ الله عز وجل، قال تعالى:
﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾
[سورة الرعد الآية: 28 ]
أكبر شيء يحرِّكك إلى الله, هذا القلب الممتلئ حباً لله، الممتلئ خشيةً له، الممتلئ إنابةً له، الممتلئ شوقاً إليه، لا تغفل، فقيمة الحال بطريق الإيمان، الحال شيء مهم جداً، الحال مشكلته مثل كهرباء السيارة، إذا انقطع تيار الكهرباء تتوقف السيارة، هذا إذا أصر الإنسان على معصية، أو على صغيرة، لكن إذا لم يكن هناك إصرار, فلا مشكلة، أما إذا أصر على معصية, وقع الحجاب، وبقي الإسلام ثقافة، وعادات، وتراثًا، إذا لم يكن لديك اتصال بالله عز وجل, فَقَدْتَ أجمل ما في الدين، أجمل ما في الدين؛ أن تشعر أنك من الله قريب، لذلك فعن عبادة بن الصامت أنه قال:
((أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه حيث كان))
فلذلك أخواننا الكرام، عندما يضحي الإنسان بشهواته, فله قربٌ من الله، وحينما يرتكب الإنسان كبيرة ويُحجَب, نقول: هذا الحجاب يتناسب مع هذه الكبيرة، أما معظم المسلمين فلا يزنون، ولا يسرقون، ولا يشربون الخمر، ولا يقتلون، فما الذي يحجبهم؟ الصغائر، غير معقول أن تُحجَب عن خالقك، أن تُحجَب عن ربك لصغيرةٍ ترتكبها، ضعها تحت قدمك، عندئذٍ ربنا سبحانه وتعالى يتجلى على قلبك .
فكان هؤلاء يقولون: إذا أردنا أن نبكي قال بعضنا لبعض:
((قوموا بنا إلى هذا الفتى المطّلبي, يقرأ علينا القرآن، فإذا أتيناه، واستفتح بالقرآن, تساقط الناس بين يديه من شدة بكائهم))
أنـت بربك إذا كنت منيباً، وتلـوت القرآن, تشعـر لصوتك حلاوة وجاذبية، القرآن نفسه, تسمعه من إنسان غافل, فلا تتأثر له، تسمعه من إنسان مؤمن, يكاد قلبك يذوب من شدة الخشوع .
2- الشافعي يتكلم بالفتوى وهو ابن خمس عشرة سنة :
وقال الربيع بن سليمان:
((كان الشافعي يفتي, وله خمسة عشر عامًا، وكان يحيي الليل إلى أن مات))
هذه نصيحة لأخواننا الذين عندهم أولاد، فقدْ يكون عندك طفل متألق، ذاكرته قوية، منيب، ذكي القلب، طيب الفؤاد، فهذا الطفل يحتاج إلى عناية خاصة، فلعله يكون داعيةً كبيراً ، عالماً كبيراً، قارئاً كبيراً, محدثاً كبيراً، مصلحاً كبيراً، وأثمن شيء تملكه؛ أن يكون لك ابن صالح، ينفع الناس من بعدك, قال تعالى :
﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً﴾
[ سورة الإسراء الآية: 78]
أخواننا الكرام، لا يليق بنا أن نقف بالصلاة من دون خشوع، لا يمكن أن يقبل الله هذه الصلاة، توقفت، وتوضأت، واقتطعت من وقتك ما اقتطعت، فلِمَ لا تتقن الصلاة؟ بعض أنواع الصلوات تلف كالثوب الخرق، ثم يضرب بها وجه صاحبها، تقول له: ضيَّعتني، ضيّعك الله كما ضيعتني، فإذا وقفت للصلاة, فاجتهد أن تتصل بالله، وأن تتأمل معاني ما تقرأ، فالحد الأدنى؛ أن تتأمل معاني ما تقرأ، وأن تركع خاضعاً، وأن تسجد مستعيناً، وأن تقرأ الآيات متمعناً، لأن الآية الكريمة تقول :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾
[ سورة النساء الآية: 43]
الإنسان السكران كان يصلي قبل أن تحرّم الخمر تحريمًا قطعيًا، فلا يعلم ما يقول، فالإنسان إذا لم يعلم ما يقول, كان في حكم السكران، فعن عمار بن ياسر أنه قال:
((إن العبد ليصلي الصلاة, لا يكتب له سدسها، ولا عشرها, وإنما يكتب للعبد من صلاته, ما عقل منها))
أيها الأخوة، قال أحد العلماء، قال جعفر ابن أخي: سمعت عمي يقول:
((كتب عبد الرحمن بن مهدي إلى الشافعي, وهو شاب, أن يضع له كتابًا في معاني القرآن، يجمع فيه قبول الأخبار فيه، وحجة الإجماع، وبيان الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة، فوضع له كتابَ الرسالة))
كتاب الرسالة للإمام الشافعي, يعدُّ أول كتاب في أصول الفقه، وأصول الفقه كما قيل : العلماء العاديون أمام علماء الأصول كالأمِّيِّين، فهو أعلى علم، علم كيف تستنبط الأحكام الشرعية من النصوص الكلية؟ كتاب الرسالة للإمام الشافعي, يعدّ أول كتاب في أصول الفقه، واسمه الرسالة .
3- دعاء أحمد بن حنبل له :
الإمام أحمد بن حنبل كان يقول:
((ستةٌ أدعو لهم سَحَراً، الشافعي أحدهم))
أنت تصلي تدعو لمن؟ لمن تحب، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((إِنَّ أَسْرَعَ الدُّعَاءِ إِجَابَةً دَعْوَةُ غَائِبٍ لِغَائِبٍ))
[أخرجه الترمذي في سننه]
دعاء الأخ لأخيه في ظهر الغيب لا يُردُّ، أنت قد تدعو لأخيك في حضرته؛ مجاملةً, أو خوفاً، أو تملقاً، أو إرضاءً، ولكنك لا تدعو له في غيبته إلا إذا كان محسناً .
الإمام أحمد بن حنبـل كان يقول:
((ستةٌ أدعو لهم سَحَراً، الشافعي أحدهم))
فإذا علّمك أخ، أو أكرمك بشيء، أو قدّم لك شيئًا، ودعوتَ له, فهذا من الوفاء، ليس ثمّة إنسان أحسن لإنسان إلاّ ويقدِّم له مساعدة، أحيانًا يدُلُّه على خير، يجد له عملاً، أو يزوجه، فإذا جاءك خير من إنسان, فادع له بظهر الغيب، لأن دعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب لا ترُّد, فالإنسان يعوِّد نفسه أن يدعو لمن أحسن إليه، وأن يقول: جزاك الله عني كل خير .
قال عبد الله بن أحمد:
((كان أبي يدعو للإمام الشافعي، ويكثر له الدعاء، فقلت له: ومن الشافعي؟ فقال: الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، فانظرْ هل لهذين من خلف، أو منهما عوض؟))
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ:
((إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا))
[أخرجه أبو داود في سننه]
(مَن): لا تعني واحدًا، بل تعني الجمع، جاء مَن تحبه، قد تعني أناسًا كثيرين تحبهم، فالإمام الشافعي كان من مجدِّدي هذا الدين .
وكان أحمد بن حنبل لا يميل إلى أحد كما يميل إلى الإمام الشافعي، انظر إلى الأئمة الكبار، لا يتحاسدون، ولا يتنافسون، ولا يطعن بعضهم في بعض، بل كان كل منهم يعجب بالآخر، ويثني عليه، ويمدحه في حضرته، وفي غيبته، وإنّ الحسد من صفات ضعاف الخلق ، فالإمام أحمد بن حنبل كان يثني على الشافعي، وكان لا يميل إلى أحد كما يميل إلى الإمام الشافعي .
4- قوله حجة عند بعض العلماء :
وتذاكر بعض العلماء في مسألة فقال بعضهم:
((لا يصح فيها حديث، قال: إن لم يصح فيها حديث, ففيه قول للشافعي))
لشدة علمه، ودقته، وقوة استنباطه، وحجته .
قول الإمام الشافعي يعد حجة عند بعض العلماء, هكذا قالوا:
((الشافعي كلامه صواب))
5- عقله الواسع :
وقال أبو عبيد:
((ما رأيت رجلاً أعقل من الشافعي))
والحقيقة: ما مِن إنسان أعقل ممن يعمل لساعة الفراق، ولا أحَدَ أعقل ممّن يعمل لآخرته، ولا أحَدَ أعقل ممن يطيع الله، لا أَحَدَ أعقل ممن يؤثر رضى الله على هوى نفسه، ولا أعقل ممن يبذل في الدنيا .
مرة قال لي رجل: إذا رفّه المسلمُ نفسَه زيادة فهل عصى الله؟ قلت له: هذا المال الزائد عن حاجتك, يمكن أن يجعلك ترقى به في الجنة إلى أعلى عليين، فإذا استهلكته في الدنيا تكون مغبوناً، خذ من المال ما تحتاج، ودع الباقي، فَلَأَنْ ترقى في الجنة، وتصل إلى أحد قصورها الكبيرة, خير لك مِن الدنيا وما فيها .
6- اللقب الذي لقب به :
حتى إن بعضهم قال:
((الشافعي إمام))
فمن الممكن أن تقول: فلان عالم، أو حافظ، وفلان محدِّث، وفلان فقيه، وفلان أصولي، وفلان عالم عقيدة، وفلان عالم بمتن الحديث، وفلان قاضٍ، وفلان مجتهد، أما كلمة إمام, فكبيرة جداً، يعني إمام عصره .
فقال بعضهم: الشافعي إمام، إمام لعصره، فالإنسان أحياناً يغار من أخ فاقه في الدنيا، يغار من إنسان حاز الدنيا، ولا يغار من إنسان حاز الآخرة، أو حاز علماً عظيماً، أو عملاً طيباً، أو ذكْراً عطراً، أو فهماً لكتاب الله، أو حفظاً لسنة رسول الله، أو دعوة إلى الله .
7- تفوقه على أهل زمانه :
وقال أبو ثور:
((من زعم أنه رأى مثل محمد بن إدريس؛ في علمه, وفصاحته، ومعرفته، وثباته، وتمكنه, فقد كذب، كان وحيد عصره، وفريد زمانه))
والإنسان قد يكون في العصر وحيدًا ، هذه مرتبة عالية جداً، وقد يكون له أنداد، وأمثال كثيرون، وأحياناً ينفرد عالِم في التفوق في عصره، حتى يقال عنه: إنه وحيد عصره، وفريد زمانه، ويبدو أن الشافعي كان وحيدَ عصره ، وفريدََ زمانه .
8- لم يعوض الزمان رجل كالشافعي :
قال:
((كان الشافعي, مُنقَطع القرين في حياته, فلما مضى لسبيله, لم يُعوض بدلا منه))
الحقيقة: الله ينزع العلم بموت العلماء، يموت العالم, فلا يأتي خلف له، لذلك قال أحد العلماء: عندنا عالم جليل، يحضر درسه ثلاثون أو أربعون رجلاً، فلما توفاه الله, سار في جنازته مليون إنسان .
وهناك عالم آخر ذو دعابة, قال: يا أخوان, أنا أسامحكم في الجنازة، فتعالوا وأنا على قيد الحياة، واحضروا درسي، الناس يميلون إذا مات العالم إلى تقديسه، ولكن النفع وهو حيٌّ يُرزَق، فجالسوه وهو بين أظهركم، تعلموا منه، وخذوا منه، واستفتوه، واهتدوا بدعوته، فلذلك قالوا: كان الشافعي, مُنقَطع القرين في حياته، فلما مضى لسبيله, لم يُعوض بدلا منه .
9- ما وصفه الواصفون :
وهنا نقطة هامة عن الإمام الشافعي، وهي أنك قد تقرأ كتابًا لإنسان فتمتلئ تعظيماً لمؤلفه، فيه دقة، ونصوص، وأدلة، وعمق، وتعليل، وتفسير، وشمول، واستيعاب، وحجة قوية، وضع يده على الجرح، ولامسَ شغاف القلب، فترك أثرًا، فإذا التقيت بهذا الإنسان, تتفاجأ أنه أقل من كتابه .
أنا كنت أقول: أحياناً تلتقي بإنسان, له باع طويل في العلم، لكن معاملته ليست كما ينبغي، فتقول: ليت أخلاقه كعلمه، وأحياناً تلتقي بإنسان أخلاقه عالية، ولكن علمه قليل, فتقول : ليت علمه كأخلاقه .
النبي عليه الصلاة والسلام لما رأى سيدنا زيد الخير, قال:
((لله درك يا زيد، أيّ رجل أنت؟ ما وُصِفَ لي أحد فرأيته, إلا رأيته دون ما وصف, إلا أنت))
قد تسمع عن إنسان، ثم تلتقي به, فتراه أصغر ممّا وُصف لك، تسمع عن مكان، ثم تذهب إليه, فتجده أقلَّ مما وُصِفَ لك، وتسمع عن آلة، فتشتريها وتستعملها, فإذا هي أقلُّ مما ذكر لك، أكثر الناس وصفُهم أكبر من واقعهم، فإذا التقيت به كان بحجمٍ أقل .
حدثني أخ درس في الجامعة علم النفس، وفيها أحد أكبر علماء النفس في قطر عربي ، فهذا العالم له مئات الكتب له، قال لي: اسمه كبير جداً، وفي أحَد المؤتمرات حضر هذا العالم، وجلس معه في جلسة, فرآه دون كتبه .
هنا القول:
((ما رأيت أحداً إلا وكُتُبُه أكبر من مشاهدته، إلا الشافعي, إن شاهدته فهو أكبر من كُتُبِه))
أحياناً تقرأ كتابًا, فترى أن الكتاب أكبر من مؤلفه، نحن اتفقنا ليكن علمك كأخلاقك، لكي لا يقال: ليت علمه كأخلاقه، أو ليت أخلاقه كعلمه .
10- حجته في المناظرة :
قال أحدهم:
((لو أن الشافعي, ناظر على هذا العامود, الذي من حجارة, على أنه خشب, لغلب من يناقشه, لاقتداره على المناظرة))
أي عنده حجة قوية جداً .
وبالمناسبة: فإنّ الله عز وجل ما اتخذ ولياً جاهلاً، ولو اتخذه لعلّمه، والآية الكريمة:
﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾
[ سورة الأنعام الآية: 83]
قد يأتي إنسان له براعة في الكلام، يكلم مؤمنا، ويستخف به، ينقض له كلامه في جلسة، ويكون الشخص مبتدعًا، منحرفًا، خبيث النفس، أفكاره منحرفة، فإنّ تتكلم وتؤثر في الناس، يفاجئك بسؤال يحرجك به، هذه مشكلة .
لذلك أثمن شيء أن تتعلم، أحياناً تخسر مائة شخص بمناظرة، أنت لا توطن نفسك لتجلس مع مؤمنين، تضطر أن تجلس مع أناس منكرين، مع أناس عقيدتهم زائغة، مع أناس دنيويين، هؤلاء عندهم حجج واهية، ينقضون بها كلام أهل الحق، فلما لا يكون مع الإنسان حجة قوية, يضعف مركزه .
قالوا:
((لو أن الشافعي, ناظر على هذا العمود, الذي من حجارة, على أنه من خشب, غلب خصمه, لاقتداره على المناظرة))
وكان الحميدي إذا جرى عنده ذكر للشافعي, يقول:
((حدثنا سيد الفقهاء الشافعي))
11- ما قال المزني عن الشافعي :
وقال الشافعي عن نفسه:
((سُمَّيتُ في بغداد ناصرَ الحديث))
والآن سوف يأتي معنا كلام مهم جداً على علم الكلام، المُزَني يقول:
((ما رأيت أحسن وجهاً من الشافعي، وكان ربما قبض على لحيته, فلا تفضل عن قبضة))
لحيته وفق السنة .
يجب أن نعلم علم اليقين, أن وجه الإنسان صفحة نفسه، أحيانا تقرأ في وجهٍ الطُّهرَ، وتقرأ في وجه البراءة، وتقرأ في وجه الشوق إلى الله، وتقرأ في وجه الإقبال على الله، فالإنسان يتألق من وجهه، أنت اذكر الله ربع ساعة، صلِّ صلاة متقنة، اقرأ القرآن، وانظر إلى وجهك, تراه متألقاً، تراه كالبدر، كان عليه الصلاة والسلام يتألق وجهه كالبدر ليلة النصف .
12- الكمال الذي وصل إليه :
وقال معمر بن راشد: سمعت المأمون يقول:
((قد امتحنت محمد بن إدريس في كل شيء فوجدته كاملاً))
وعند الإمام الغزالي بحثٌ عن صفة الإمام الكامل، فهو إنسان وفق الكتاب والسنة، منضبط بأقواله, وأفعاله, وأحواله, واتصاله بالله عز وجل, وورعه الشديد، وقيامه بالواجبات الدينية، دخله حلال، فإنسان بهذا المستوى إنسان عظيم .
الحقيقة: أن الأنبياء معصومون، إلا أن الأولياء محفوظون، ومعنى أنهم محفوظون؛ أي لا تضرهم معصية، بمعنى أنهم إذا زلّت قدمهم، فسريعاً ما يتوبون إلى الله عز وجل، ويستغفرون .
13- ما قال عنه سفيان بن عيينة :
كان سفيان بن عيينة, إذا جاءه شيء من التفسير والفتيا, التفت إلى الإمام الشافعي ويقول:
((سلوا هذا))
إذا سئلتَ سؤالا لا تعرف جوابه, فدُلَّ على مَن يجيب عنه، وهذه صفة العلماء، قد يكون الإنسان في الفقه متفوقًا، وأنت متفوق في التفسير، إنسان متفوق في المواريث، وآخر في التجويد متفوق، سئلتَ سؤالاً متعلقًا بالتجويد, فقل: اسألوا فلانًا, فهو أعلم مني، هذه من صفات العلماء، ليس ثمة إنسان, يعلم كل شيء، فالذي يعلم كل شيء, لا يعلم شيئاً، دائماً هناك اختصاص، أنت تتفوق في شيء، وحَوِّل الناس إلى مَن هو مختص بهذا الشيء .
الشافعي أول من قال:
((الخلفاء خمسة: أبو بكر, وعمر, وعثمان, وعلي, وعمر بن عبد العزيز))
أول من وصف سيدنا عمر بن عبد العزيز, بأنه خامس الخلفاء الراشدين, هو الإمام الشافعي .
14- الشافعي لم يبتغ الهوى في أي شيء تكلم به خلال حياته :
قال أحدهم:
((لم يُحفَظ في دهر الشافعي أنه تكلم في شيء من الأهواء))
فمَن قدوته في هذا؟ النبي عليه الصلاة والإسلام، ماذا قال الله عنه؟ قال تعالى:
﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾
[ سورة النجم الآية: 3-4]
صدقوني، وأنا لا أحنث إن شاء الله؛ أنّ تسعين بالمائة من كلام الناس, ينطلق من أهوائهم، يمدحون ما عندهم، ويذمّون ما ليس عندهم، الأم تمدح بناتها فقط، ويكون بناتها في حال وسط، تجعل من بناتها في أعلى مستوى، يمدح الأب أولاده، يمدح صنعته، وقد تكون وسطًا، فهذا كلام ينطلق من الهوى، والنبي عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى, فنحن مفروض علينا أن نقتدي بالنبي، وأن نقول الحقيقة .
وكنت أضرب مثلاً: هذا قدح ماء من بللور صافٍ، لعله أجنبي، إذا قلت لي: كريستال ثمنه ألف ليرة، فأنت ما كنت منصفًا، لكنك تكلمت بالأهواء، وإذا قلت لي: هذه صفيحة عليها صداء أيضاً, لم تكن منصفًا، فالعلم هو الوصف المطابق للواقع، أكثر الناس إذا أحبوا شخصًا جعلوه ملك، وإذا فسخت خطبة ابنتهم, أصبح الخاطبُ أسوءَ إنسان في الأرض، وفي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
((أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا, عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا, وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا, عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا))
[أخرجه الترمذي في سننه]
كن معتدلاً في مدحك وذمك .
من أقوال الشافعي :
1- وصفه للعلوم :
يقول الشافعي:
((من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن تكلم في الفقه نبل قدره، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن نظر في اللغة رق طبعه، ومن نظر في الحساب جزل رأيه، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه))
والله هذا قول رائع، الحساب يعطيك رياضة ذهنية, اللغة والأدب تعطيك رقة في الطبع، الحديث يعطيك قوة في الحجة, الفقه يعطيك مكانة في المجتمع، القرآن يعطيك قيمة في المجتمع .
أنت اقرأ القرآن، وتعلم الفقه، واحفظ الحديث، واقرأ الأدب واللغة، وتعلم الحساب, من أجل أن تجمع المجد من كل أطرافه .
2- الزاد الذي حذر منه الشافعي :
للشافعي كلمة رائعة يقول:
((بئس الزاد إلى المعاد العدوانُ على العباد))
الإنسان لو سأل نفسه: ماذا ادخرت إلى آخرتك؟ هل لك عمل صالح؟ إنفاق، دعوة إلى الله، تعليم، رعاية للأبوين، رعاية للأيتام، تدرس في سبيل الله، تصبر على الناس ابتغاء وجه الله، هل لك عمل يكون زادك إلى الله، أم - لا سمح الله ولا قدر- تكون من ذوي العدوان على العباد؟ بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد .
3- مقولته عن المراء في الدين :
ويقول الشافعي أيضاً:
((المراء في الدين؛ يقسي القلب، ويورث الضغائن))
هناك شخص مثلاً: يحب المراء، يحب المشاحنة والمجادلة في قضايا صغيرة وجانبية ، يكبرها، ويرمي الناس بالكفر والشرك، بأخطاء طفيفة، فهذا إنسان عدواني، هذا يتخذ الفكر سلاحًا له، وما ضل قوم بعد إذ اهتدوا إلا أوتوا الجدل, والمشاحنة، وتسفيه الآراء، والطعن في الأشخاص، وتقييم الآراء، والتقليل من شأنها، هذا كله من علامات الجهل، لك أن تبدي رأيك دون مغالاة .
أنا لي طريقة, أتمنى أن أوضحها لكم, واسمها: أسلوب التدخل الإيجابي: لا تهاجم أحدًا، وإياك أن تطعن في أحد، ولا تسفه آراء أحد، أنت قدم الشيء الإيجابي فقط، قدم البضاعة الجيدة، فهي وحدها تكشف زيف الأُخرى، لا تقيِّم الآخرين، قدم الشيء الثمين، قدم حجة قوية، قدم تطبيقًا عمليًا، قدم قدوة حسنة فقط، إياك أن تطعن في أحد .
أنت حينما تقدم كأس جيد جداً، وإنسانًا آخر قدم كأس غير جيد، وغير صاف، فهُمْ يختارون الأفضل، لا تقل له: هذا سيء، فهو عنده حس، وسيكشف أنه سيء، تدخل مع الناس تدخلاً إيجابيًا، ودع السلبيات، لأن الأمة الآن بحاجة إلى وحدة صف، بحاجة إلى اجتماع كلمة، بحاجة إلى أن نتعاون فيما اتفقنا، بحاجة إلى أن يعذر بعضنا بعضاً في ما اختلفنا، بحاجة إلى التكاتف، بحاجة إلى أن نلتقي عند المتفق عليه، نحن بحاجة إلى أن نلتقي عند الأصول, عند الجذع الواحد الموحد، دعكم من الخلافات، ما الذي فتت المسلمين؟ تسفيه آراء الآخرين، الطعن، المشاحنة، العدوان، البغضاء، الحسد .
سألني أخٌ يومًا سؤالاً, فقال: فلان إنسان مبتدع، اتَّهم فلانًا بكذا وكذا، فما قولك؟ كلامه غلط، هو إنسان جاهل، وهذا الصواب، فأثار ضغائن، وأجَّجَ أحقادًا, لم تكد تنتهي .
أحد علماء حمص الأجلاء, توفي رحمه الله، سمعت عنه, أنه لا يجيب عن سؤال في موضوع, أضيف إلى عالم, وإنْ سألتَ, فليكن سؤالك من دون أن تنسبه لمعيَّن، ووطِّن نفسك ألاّ تجيب عن سؤال في موضوع أُلصِق بعالم, لعله ما قال هذا الكلام، وأنت غلطت .
عندنا مشكلة الأتباع، هذه مشكلة كبيرة جداً، فالأتباع يسيئون ثلاث مرات؛ يسيئون الفهم، ويسيئون النقل، ويسيئون التصرف، فمن أجل ألاّ تُفتت الأمة، وألاّ تشرذم، وألاّ نضعف، وألاّ يعادي بعضنا بعضاً، وألاّ يطعن بعضنا ببعض، فلا تجب عن سؤال في موضوع أُضِيفَ إلى عالم .
أمّا لو سألتني: ما قولك في الشفاعة؟ لقلتُ لك: رأيي في الشفاعة، ما قولك في هذا الحديث: هل هذا الحديث صحيح أم موضوع؟ فلان, قال على المنبر: هذا الحديث صحيح، فهل هو صحيح أم هو موضوع؟ يا بني, هذا الحديث موضوع، يقول: سألنا, وقالوا: الحديث الذي قلته موضوع، هكذا يفعل بعض الناس .
ترى الأتباع كلٌّ ينحاز إلى شيخه، ويدافع عنه, ويطعن في الآخرين، وتنشب معركة، ونحن في غنى عنها، عاهدوا أنفسكم ألاّ تقبلوا فكرة مضافة إلى عالم، اسألن ألف سؤال، ولكن بلا ذكر عالم، ما قولك فيمن يقول: كذا وكذا؟ ما قولك بالفكرة الفلانية؟ بالحديث الفلاني؟ هذا شيء جميل جداً، وهذا الشيء يريح, وتنتهي كل مشاكلنا, ونبقى يحب بعضنا بعضاً، ويعاون بعضنا بعضاً، ينصر بعضنا بعضاً، يقدر بعضنا بعضاً .
4- مقولة قالها تدل على إخلاصه :
فمن إخلاص الشافعي, أنه قال:
((وددت أن الناس تعلموا هذا العلم دون أن ينسب إلي))
طبعاً إذا اخترعت شيئًا، والثاني أخذ الاختراع، وادَّعاه لنفسه، فصاحبه الأول يتألم، ويقول لك: هذا تزوير، إلا في الدين, خذ العلم، وانسبه لنفسك، وأنا أسامحك، ولكن علِّم الناس، فقدْ ترى إنسانًا, يأخذ من كتابٍ خطبةً ويلقيها, فيعتقد الناس أنه هو الذي كتبها، قل: إنك أنت الذي كتبتها، ونحن نسامحك، ولا مانع .
أحيانا أسمع أن أناسًا أخذوا بعض الكتب، وخطبوا منها، ونجحوا نجاحًا كبيرًا، وما قالوا: إن هذه الخطبة مأخوذة من هذا الكتاب، ولا مانع، أنت تريد الحق أن ينتشر، وانتشر الحق، فقط في أمور الدين هناك تسامح .
5- تحذيره في الخوض في أصحاب الرسول :
وقال أيضاً:
((لا تخوضُنَّ في أصحاب رسول الله، فإن خصمك هو النبي غداً))
ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام:
((إذا ذكر أصحابي فأمسكوا؟))
يعني رئيسَيْ أركان اختلفا في موضوع استراتيجي، وجندي غرّ دخل البارحة إلى الجيش، فهل هذا أهلٌ ليفهَمَ مَن هو على حق؟ .
ممرض صغير, هل هو أهل أن يفصل بين جراحين للقلب، أيهما أصوب؟ نحن جئنا متأخرين، كان الله في عوننا، فنحن لسنا أهلاً أن نقول: فلان أصوب أم فلان؟ .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((لا تَسُبُّوا أَصْحَابِي, لا تَسُبُّوا أَصْحَابِي, فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ, لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا, مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ))
[أخرجه الترمذي في سننه]
6- أمانته العلمية :
بقي موضوع أخير في الإمام الشافعي، وهنا سؤال يطرح نفسَه: لو أنّ إنسانًا تعلم من إنسان شيئًا، وهذا الإنسان يحبه حباً جما إلى أعلى درجة، ثم فوجئ أن في الحديث الشريف توجيه خلاف ما تعلم، فماذا يفعل؟ هل يقول: إنا وجدنا آباءنا على أمة، أم يرجع إلى سنة النبي؟ .
اسمعوا ما قال الشافعي، قال:
((إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله، فقولوا بالسنة، ودَعُوا ما قلته))
وله قول آخر:
((فاضربوا بكلامي عُرض الحائط))
وأنا أقول لكم: إذا سمعت توجيهًا من إنسان، مهما كان كبيراً، مهما كان عظيماً في نظرك، مهما كان موثوقاً، ثم اكتشفت أن سنة النبي الصحيحة خلاف ذلك، وبقيت متمسكاً بكلام هذا العظيم، مخالفاً سنة النبي الكريم، فأنت لست مؤمناً، أنت مع أشخاص لا مع رسول الله، أنت مع الأهواء لا مع دين الله، أنت مع ما يعجبك لا مع تقنع به .
قال:
((إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله، فقولوا بالسنة، ودَعُوا ما قلته))
قال له رجل:
((تأخذ بهذا الحديث يا أبا عبد الله؟ قال: متى رويت عن رسول حديثاً صحيحاً، ولم آخذ به؟ والأصح من هذا, متى رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً صحيحاً، ولم آخذ به, فأشهدكم أن عقلي قد ذهب؟))
إذا رويت لكم حديثًا صحيحًا، ولم آخذ به, فاعتبروني مجنونًا .
وقال مرة:
((أي سماء تظلني, وأي أرض تقلني, إذا رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً لم أقل به؟!))
بربك كم حديث حفظته, ولم تطبقه، ولم تأخذ به؟ .
له قول آخر: كل حديث عن النبي, فهو قولي, وإن لم تسمعوه مني .
قال الشافعي:
((الحديث مذهبي))
هل هناك إنسان معصوم غير النبي؟ ليس مِن إنسان مأمور أن نتبعه غير النبي، عصمه الله، وأمرنا أن نتبعه، قال تعالى:
﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾
[ سورة الحشر الآية: 7 ]
هل لك خيار, إذا وُجِدَ عندك إمكان أن تختار إنسانًا, مهما بدا لك كبيراً، مهما بدا لك عظيماً، أعطاك توجيهًا خلاف النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تعبأ بقول المعصوم, الذي لا ينطق عن الهوى، لم تعبأ بقول سيد الأنبياء، فأنت لا تعرف الله، ولا تعرف رسوله، أنت تمشي مع أشخاص لمصالح، أو لعصبية عمياء، أو لاعتزاز بالباطل، أما إذا كنت مخلصاً في طلب الحق، فلمجرد أن تطَّلع على حديث رسول الله, تقف عنده، ولا تعبأ بقول أحد، كائناً من كان .
من أطاع الرسول فقد أطاع الله :
أخواننا الكرام, الحكم بيننا كلامُ رسول الله، مشكلة بين زوجين، فالنبي قال: كذا، النبي قال:
((لا تحمروا الوجوه))
لا تخجل إنسانًا، كان عليه الصلاة والسلام لا يواجه إنساناً بما يكره، ممكن أن تقول له كلامًا تحرجه به، تصغره، تجتمعون في جلسة، وتقول له: أخي حديثك لم يعجبني، هذه ثقيلة، أين الرقة؟ هذا الكلام ليس صحيحًا، النبي عليه الصلاة والسلام كان لا يواجه أحداً بما يكره، كان يصعد المنبر، ويقول:
((ما بال أقوام يفعلون كذا))
ويكون الرجل الذي عمل السوءَ واحدًا، يجب أن تنصحه، ويجب ألا تحرجه، ولا تخجله، ولا تصغره، فقال على المنبر:
((ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا))
هذه سنة, فإذا أنت تتكلم العكس, فهذه مشكلة .
أما إذا أردت أن تواجه الناس بما يكرهون, فأنت مخالف لسنة النبي عليه الصلاة والسلام، طبعاً إلا إذا وُجدَ خطأ كبير، كإنسان قال: كلامًا خاطئا، فأنا بأدب أقول له: هناك رأي آخر، هل معك دليل؟ هل معك حجة؟ تعلموا من سيدنا الحسن والحسين، لما شاهدا إنسانًا يتوضأ، وأخطأ في الوضوء، فطلبا منه أن يحكم بينهما في وضوءهما، فلما رأى وضوءهما قال: أنا الذي أخطأت .
قد تجد ألف أسلوب لتوجه الناس, ويحبوك، ولا تجرحهم، هذه تحتاج إلى لباقة عالية جداً؛ أن توجه إنسانًا راكضًا, يريد أن يلحق الصلاة مع رسول الله، فشوّش على المصلِّين، ولكنه أدركَ الركعة، فالنبي ماذا يقول له؟ إذا عنفه قد يحرجه، قال له النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلا تَعُدْ))

[أخرجه البخاري في الصحيح]
لقد قيَّم له عمله، وأثنى على حرصه، ونبهه ألاّ يعود، هكذا الدعوة .
أخواننا الكرام, قال تعالى:
﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 31]
علامة حبك لله, اتباعك للنبي، قال تعالى:
﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ﴾
[ سورة القصص الآية: 50]
استجابتنا للنبي, هي عينُ استجابتنا لله .
كنا في عقد قران قبل أن آتي، فطرحت موضوع المولد، قلت في كلمة ألقيتها، قال تعالى:
﴿وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ﴾
[ سورة هود الآية: 120]
قلت: إذا كان قلـب النبي، وهو سيد الأنبياء والمرسلين, يزداد ثبوتاً إذا قصت عليه قصة نبي دونه، فكيف بمؤمن مقصِّر في آخر الزمان، تتلى عليه قصة سيد الأنبياء؟ أليست هذه الآية أقوى دليل على مشروعية الاحتفال بعيد المولد؟ الاحتفال بعيد المولد ليس عبادةً ، إنما هو سلوك اجتماعي, ينسحب على إطعام الطعام، وعلى تذكير الناس بسيد الأنام، قال تعالى:
﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ﴾
[ سورة سبأ الآية: 46]
هكذا والله الإمام الشافعي, إمام عظيم, يجب أن نقف عنده درساً آخر، له أقوال رائعة جداً، هؤلاء أئمتكم العظام، هؤلاء الذين نقتدي بهم، نقتبس من استنباطاتهم، ومن أحكامهم الفقهية, التي استنبطوها من كتاب الله, وسنة رسوله .
والحمد لله رب العالمين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محمدالليلي


السيرة- سيرة الأئمة الأربعة- الدرس 1-2: الإمام الشافعي1 لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1996-07-21   Starwars6
محمدالليلي


ذكر عدد المساهمات : 467
تاريخ التسجيل : 19/01/2011
العمر : 28
الموقع : غانم العلي - شارع الستة

السيرة- سيرة الأئمة الأربعة- الدرس 1-2: الإمام الشافعي1 لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1996-07-21   Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة- سيرة الأئمة الأربعة- الدرس 1-2: الإمام الشافعي1 لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1996-07-21    السيرة- سيرة الأئمة الأربعة- الدرس 1-2: الإمام الشافعي1 لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1996-07-21   Emptyالأحد يونيو 12, 2011 2:09 pm

راائع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
السيرة- سيرة الأئمة الأربعة- الدرس 1-2: الإمام الشافعي1 لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1996-07-21
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» لفقه الإسلامي - أحكام فقهية عامة - آيات الأحكام - الدرس الدرس ( 22 - 25 ) : الوفاء بالعقود ، سورة المائدة : الآية "5" لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1998-06-15
» - أمثال القرآن الكريم - الدرس (06-34) - قال تعالى: أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2010-08-18
» لفتاوى - الرؤى والأحلام - الأحلام - الفتوى 011 : ما صحة الرؤية في صلاة الاستخارة؟. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2011-03-20
» أسبـاب تعدد زواج النبي محمد (صلى الله عليه وسلم )
» هل للزوج حق في راتب زوجته

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى غرناطة ( غانم العلي ) :: القسم الإسلامي :: منتدى غرناطة الاسلامي-
انتقل الى: